.. وأحس، وهو يحدق في المنارة العالية، بإطمئنان عميق.. وقال في نفسه: ها هي ذي المنارة المتفردة التي بناها –يوماً- نور الدين، قاهر الغزاة الصلبييين الموحد، والمحرر، واختار لها مكاناً في قلب المدينة، ومد أسبابها إلى السماء، لكي تبرز واضحة للعيان من أي مكان يلقي منه المرء بصره: لقد: ظلت قائمة عبر القرون المتطاولة، بانسيابها الجميل صوب الأعالي، شاهدة على أنه ما أحد يقدر على تغيير وجه المدينة الأصيل:
وتساءل، وهو يصعد عبر درب جانبي بمحاذاة الجامع، لكي يغدو على بعد خطوات من بيته: أتسطيع قوة في الارض أن تنزع عنا ملامحنا؟ أن تغير بصمات أصابعنا؟ وقال، وهو يتذكر تحدي بعض الشيوعيين، بأنهم – لو أتيح لهم الانتصار- فلن يبقوا على منارة واحدة في البلد يرتفع منها النداء إلى الله: إن الموصل أعلنت انتماءها منذ قرون إلى منارتها العالية.. أخذت منها اسمها، واكتست عظامها العارية، بقوة الروح التي تبثها، لحماً ودماً.. أفيكون بمقدورهم أن يغيروا بصماتهم، أو ينزعوا عنها ملامحها؟.
رواية إسلامية معاصرة، تحكي عن ملحمة الصراع بين هذا الدين وبين خصومه الذين سعوا لاغتياله، عبر دوامة الإعصار الدموي الذي اكتسح العراق عام 1959م.