صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة، ويضم دراسات منتخبة تناقش العلاقات العربية – الصينية، عرضها مجموعة من الباحثين والأكاديميين في مؤتمر يحمل العنوان نفسه، عقده المركز في الدوحة يومي 21 و22 أيار/ مايو 2016، في سياق سلسلة مؤتمرات “العرب والعالم”.
يتألف هذا الكتاب (584 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة بقلم محرر الكتاب مروان قبلان و16 فصلًا، فصّلت في 4 أقسام.
بعدان تاريخي وثقافي
في القسم الأول، “البعدان التاريخي والثقافي: من القرن السابع إلى القرن العشرين”، ثلاثة فصول. يبحث معين صادق في الفصل الأول، “العلاقات العربية – الصينية والتجارة البحرية من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي”، الجوانب السياسية والتجارية والعسكرية والثقافية التي ساهمت في تكوّن التبادل بين العرب والصين وتطويره. ويؤكد الباحث أن الآثار المكتشفة والمصادر النصية والخرائط، خلال القرن العاشر الميلادي، تؤكد طبيعة العلاقة التاريخية المتميزة بين العرب والصين التي تعود إلى اهتمام الطرفين بالتبادل التجاري عبر الطرق البرية والبحرية.
أما زكريا صادق الرفاعي، فيقدم في الفصل الثاني، “حركة الإحياء الإسلامي في الصين خلال الفترة 1912 – 1949: دراسة تاريخية”، رصدًا لظاهرة الإحياء الديني لمسلمي الصين، متابعًا ومحللًا أثرها في بلورة تطابق بين القيم الإسلامية والتطورات السياسية والاجتماعية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وعلى نطاق المسلمين في الصين، كما ناقش العوامل المؤدية إلى نشاطهم الملحوظ ومشاركتهم في الجمعيات والمنظمات ونشر الصحف، فضلًا عن نشاط حركة ترجمة القرآن الكريم.
ويناقش عبد الحميد شلبي في الفصل الثالث، “موقف الصين من حرب السويس 1956: قراءة في وثائق الخارجية المصرية”، منطلق موقف الصين من حرب السويس في عام 1956، كأزمة تلت اعتراف مصر بالصين في العام نفسه.
الصين في الوطن العربي
في القسم الثاني، “الاستراتيجية الصينية في الوطن العربي”، أربعة فصول. يرى مروان قبلان في الفصل الرابع، “سياسات الطاقة الصينية وتحدي الصعود إلى موقع القوى الكبرى”، أن النمو الاقتصادي السريع للصين، واعتمادها على مصادر الطاقة الخارجية، واتباعها دبلوماسية هادئة في تأمين حاجاتها إلى الطاقة، لبّت متطلبات التنمية وعظّمت قوتها العسكرية وطموحاتها الإقليمية؛ فأدى ذلك إلى عودتها إلى دائرة الاهتمام الأميركي.
ويتفحص ديغانغ صَن في الفصل الخامس، “مساهمة في أمن الشرق الأوسط”، الاستراتيجيتين اللتين اقترحهما الرئيس شي جين بينغ في عام 2013، وهما: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحرية في القرن الحادي والعشرين، حيث يرى أن النمو الاقتصادي المتسارع للصين يتنامى في ظل الاعتماد على تلبية مصالحها التجارية، والبحث عن أسواق خارجية للترويج لسلعها.
أما كاظم هاشم نعمة، فيجادل في الفصل السادس، “الوطن العربي في الاستراتيجية العليا الصينية”، بأن الصين لم تصُغ استراتيجيا تحكم بها علاقتها تجاه الوطن العربي إلا بعد ظهورها قوةً دولية عظمى، وبأن الوطن العربي كان يمثل حلقة سوداء في الاستراتيجية الصينية حتى عام 1978.
كما يتناول عماد منصور في الفصل السابع، “السياسة الخارجية الصينية من منظار ‘الثقافة الاستراتيجية’”، مسألة تردد الصين في استخدام أدواتها الكامنة للقيام بدور الدولة العظمى، ويشرح خلفيات السياسة الخارجية الصينية من منظور الثقافة الاستراتيجية.
الحزام والطريق والتعاون الاقتصادي
في القسم الثالث، “مبادرة الحزام والطريق الواحدة والتعاون الاقتصادي”، ثلاثة فصول. يثير جوناثان فلتن في الفصل الثامن، “حزام واحد وطريق واحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية”، تساؤلات عن محورية دور دول مجلس التعاون في مبادرة الحزام والطريق، والتي تشترك مع الصين في موقعٍ جغرافي مهم يسمح لها بدور أساسي في التبادل التجاري مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، ويُتبع ذلك بحجم احتياطات الطاقة عاملًا مركزيًا في دعم مسيرة النمو الاقتصادي.
ويقول هويو شيانغ في الفصل التاسع، “دور الصين في عملية السلام في الشرق الأوسط من منظور الحزام والطريق”، إن الصين تحتاج إلى إعادة النظر في دورها تجاه القضية الفلسطينية إذا أرادت رفع مكانتها بوصفها دولة عظمى ومسؤولة، وأنه على الرغم من تعقيد جوانب القضية الجيوسياسية والموارد الطبيعية والعرقية والدينية والعلاقة مع القوى الكبرى وتشابكها، فإن جوهرية القضية لا تزال تلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط.
أما رابح زغوني، فيرى في الفصل العاشر، “الاستراتيجية الصينية للعالم العربي: نحو الانتقال من الجيو – اقتصاد إلى الجيوبولتيك”، أن فهم ثنائية القوى الاستراتيجية المؤثرة في العالم العربي، أي الصين بوصفها قوة صاعدة والولايات المتحدة الأميركية بوصفها قوة مهيمنة، يوجب إدراك أن التحولات في الدور السياسي الصيني في المنطقة العربية تأتي مع إدراك صانع القرار الصيني أن الوجود الأميركي في العالم العربي قد يكون موجّهًا ضد مصالحها.
الصين في الشرق الأوسط وأفريقيا
في القسم الرابع، “العلاقات الصينية بدول الشرق الأوسط وأفريقيا”، ستة فصول. تقول جي وانغ في الفصل الحادي عشر، “العلاقات الصينية – الليبية في عهد ما بعد الجماهيرية: منطق استكشاف أسواق خارجية”، إن الوجود القصير والمؤثر للشركات الحكومية الصينية في قطاع البناء الليبي قبل عام 2011 كرّس أسسًا للثقة المشتركة بأي تعاونٍ في المستقبل، ولا سيما أن ذلك يأتي في ظل مبادرة الحزام والطريق التي نادى بها الرئيس الصيني.
وتسعى آي وي جنيفر شانغ في الفصل الثاني عشر، “السياسة الصينية في الأزمة السورية”، إلى فحص تطور الموقف السياسي الصيني تجاه أبرز التحديات الأمنية والسياسية التي شكلتها الحرب الأهلية السورية. وتتعقب تطور سلوك السياسة الصينية في سورية، وتبحث في الحسابات الخلفية للسياسة الصينية في طبيعة إدارتها سياستها مع القوى الكبرى الأخرى في إطار التحرك نحو تسوية سياسية في سورية.
أما سعيد شفقت، فيرى في الفصل الثالث عشر، “صعود الصين في الخليج وإيران وباكستان”، أن العقود الثلاثة الأخيرة تحمل تفسيرات عدة لصعود الصين بصفتها قوة عظمى على الساحة الدولية؛ ما يمنحها إمكانية اتّباع سياسة ثقافية واقتصادية وعسكرية تجاه دول المنطقة.
الصين وإيران والسعودية وإسرائيل
يرصد منوشهر دراج في الفصل الرابع عشر، “علاقات الصين بإيران والمملكة العربية السعودية: سياسة التوازن الحساس”، المعطيات التي ساعدت في تنامي قوة الصين وحضورها في الشرق الأوسط، محاججًا بأن علاقات الصين بإيران والسعودية في مجال الطاقة تنطلق من روابط المنفعة المتبادلة في مجالي الطاقة والتجارة، وأن الصين تعمل في إطار ما يضمن مصالحها.
ويتناول محمود محارب في الفصل الخامس عشر، “العلاقات الإسرائيلية – الصينية بعد انتهاء الحرب الباردة”، المراحل التي مرّت بها هذه العلاقات، من مرحلة محاولات إقامة العلاقات وبلورتها التي امتدت بين عامي 1950 و1955، ومرحلة العِداء التي امتدت بين عامي 1955 و1980، ومرحلة محاولات التقارب والسعي لتطبيع العلاقات التي امتدت بين عامي 1980 و1992، وصولًا إلى مرحلة العلاقات السياسية الكاملة منذ عام 1992.
كما يشرح حكمات العبد الرحمن في الفصل السادس عشر، “استراتيجية الوجود الصيني في أفريقيا”، الصعوبة في تحديد تاريخٍ لتأطير العلاقة الصينية – الأفريقية، ويرى أن مُسايرة الصين الشيوعية لسياسة الاتحاد السوفياتي في إطار تحقيق التوازن أمام القوة الأميركية أبقت علاقات الصين الخارجية محدودة، إلى حين مؤتمر باندونغ في عام 1955 الذي مثَّل تحولًا في سياسية الصين الخارجية وسلوكها تجاه الدول النامية، وخصوصًا الدول الأفريقية.