يقدّم الباحث السوري عبادة محمد التامر، في كتابه الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان: سياسة الولايات المتحدة وإدارة الأزمات الدولية: إيران، العراق، سورية، لبنان أنموذجًا، مدخلًا إضافيًّا لفهم آليات عمل السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنه يعيدها إلى مرتكزٍ قلّما حظيَ بأهمية لازمة، هو مرتكز التركيبة الثقافية والفكرية النظرية للإدارات الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية وممارساتها السياسية.
وفي هذا الكتاب، يطرح المؤلف سؤالًا إشكاليًّا أساسيًّا، هو: ما هي المحددات التي تنطلق منها سياسة الولايات المتحدة في إدارتها أزمات الشرق الأوسط؟ وكيف تُتَرجم المقاربتان السياسيتان النظريتان للجمهوريين والديمقراطيين إلى سياسات فعلية؟ وفي هذا السياق يرى المؤلف أنّ سياسة الولايات المتحدة في إدارة أزمات الشرق الأوسط ترتكز على أسلوبين من أساليب المقاربة؛ أحدهما متمثّل بالمقاربة الديمقراطية النيوليبرالية القائمة على تغليف الغايات والأهداف بغلاف من الدبلوماسية الناعمة المدعومة بسياسات استخدام القوّة، والآخر باستخدام لغة القوة والتهديد بها للتوصل إلى الأهداف النهائية للسياسة الأميركية تجاه أزمات المنطقة.
يشتمل الكتاب على ثلاثة فصول رئيسة. وفي الفصل الأول “الأزمات الدولية وإدارتها وفق الرؤية السياسية الأميركية” بُحثت العوامل التي تساهم في تكوين وجهة النظر الأميركية تجاه الأزمات الدولية، والنظريات التي تقوم عليها السياسة العامة لإدارة هذه الأزمات، وجرى تحليل العوامل التي تدخل في تركيب هذه السياسة، وصولًا إلى تحديدها وتوصيفها بالاعتماد على التحليل الوصفي، إضافةً إلى المنهج السلوكي.
وفي الفصل الثاني “الأزمات الدولية في الشرق الأوسط”، اعتمد المؤلف التحليل الوصفي؛ لتشخيص خصائص أزمات المنطقة، ووصفها، وبيان أهميتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة وتأثيرها فيها، وعرض أبرز العوامل التي تُسبِّب نشوء الأزمات في المنطقة، وهي عوامل داخلية تتصل ببيئة المنطقة؛ الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، وترتكز على عوامل ديموغرافية وإثنية ودينية، فضلًا عن مؤثرات خارجية تنشأ من التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة، وقد توصَّل المؤلف إلى ثلاثة محددات عامة للرؤية الأميركية لأزمات المنطقة، هي: النفط وأمن الخليج، وأمن إسرائيل وعملية السلام، وظاهرة الإرهاب وتهديد المصالح الأميركية.
وفي المبحث الأول من الفصل الثالث “إدارة الأزمات (العراقية – الإيرانية – السورية – اللبنانية)”، وصف المؤلف الأزمة العراقية ومراحل تطورها، ثمّ عرض خيارات إدارتي بوش الابن وباراك أوباما. أمّا المبحث الثاني، فهو مخصص لأزمة البرنامج الإيراني النووي؛ إذ عرض المؤلف هذه الأزمة، ووصفها، وتناول خيارات بوش تجاهها، بعد تجربة العراق، وخيارات إدارة أوباما أيضًا. وأمّا المبحث الثالث، فهو يُعنى بالأزمة السورية، وقد بُحثت فيه إشكالية توصيف الأزمة وعلاقتها بسائر أزمات المنطقة، ليُختم الفصل بالمبحث الرابع المتعلق بالأزمة اللبنانية التي نشبت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وهي الأزمة التي استغلتها إدارة بوش لإعادة إنتاج سياسة العزل والضغط التي انتهجتها تجاه سورية.