صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب صفقة ترامب – نتنياهو”: الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال: ما العمل؟ للدكتور عزمي بشارة/ وهو الإصدار الأول في سلسلة جديدة تحمل عنوان “دفاتر سياسات عربية”، وهي ملحق دوري، يصدر بالتزامن مع أحد أعداد دورية سياسات عربية، التي يصدرها المركز. ويتناول عذا الكتاب بالتحليل والنقد ما عُرف إعلاميًا باسم “صفقة القرن”.
يستعرض بشارة أولًا، في هذا الكتاب، أهم المبادرات الأميركية لحل القضية الفلسطينية منذ عام 1967، ليبين الخطورة والمنعطف اللذين تمثلهما ما اصطلح عليه “صفقة ترامب – نتنياهو” الأخيرة، واللذين لا ينبعان من مضمونهما نفسه فقط، بل كذلك من كون الصفقة طرحت باسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الدولة التي احتكرت “رعاية” ما يُسمى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ توقيع ما عُرف بـ “اتفاق أوسلو” عام 1993. كما يفكك بشارة نقديًا نص المبادرة الأميركية، ويعالج المسار الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذه النقطة تحديدًا، ويطرح سؤال ما العمل؟ ويستعرض التغييرات التي طرأت على القضية الفلسطينية واستراتيجيات العمل من أجل العدالة في فلسطين. ويختتم بقسم خاص عن الرأي العام العربي الرافض لتطبيع دوله العلاقات مع إسرائيل. ويشتمل هذا الكتاب (172 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) على أربعة أجزاء نتطرّق إليها في ما يلي.
نص إسرائيلي يميني بخطاب صهيوني- ديني
في الجزء الأول، يقدم بشارة عرضًا مختصرًا للمبادرات الأميركية لحل القضية الفلسطينية، التي طُرحت منذ عام 1967؛ وذلك لتبيين أن “رؤية ترامب” تُشكِّل تغيّرًا أساسيًّا في الموقف الأميركي، من الانحياز إلى إسرائيل والتحالف معها إلى التماهي المعلن وغير المنضبط مع مواقف اليمين الإسرائيلي. ويركز العرض على مبادرة وليام روجرز في حزيران/ يونيو 1970، ومبادرة مستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي عام 1977، ومشروع الرئيس رونالد ريغان عام 1982، وإعلان الرئيس جورج بوش الأب رؤيته عام 1991، ومبادرة “خريطة الطريق” التي طرحها الرئيس جورج بوش الابن، وصولًا إلى مقترحات الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي عرضه للمبادرات، يشير بشارة إلى مواقف الدول العربية وإسرائيل تجاه هذه الخطط والمشاريع، ليكشف – عكس السائد – أن المواقف العربية تجاه هذه المبادرات كانت أكثر إيجابية، من موقف إسرائيل، الذي اتسم – في الغالب – بالرفض وعدم القبول.
وينتقل بشارة إلى توضيح الكيفية التي طبقت بها إدارة ترامب “صفقة القرن” قبل إعلانها، مع التركيز على وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس مع الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وطرد بعثة منظمة التحرير الفلسطينية من واشنطن، واعتبار أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تعد انتهاكًا للقانون الدولي.
ويعمل بشارة على تفكيك نص وثيقة “صفقة ترامب – نتنياهو” لتصفية القضية الفلسطينية، وتفنيد العديد من المغالطات الواردة في النص. ويرى أن “رؤية ترامب” كرست منطق القوة والإملاء المباشر على العرب. ولذلك، يعد سلوك بعض الدول العربية بعد الإعلان عن هذه “الرؤية”، بالإعلان عن تأييدها، سابقة خطيرة، تُشجع الإسرائيليين على تبنّي هذا المنطق والتمسك به. في حين تباينت الردود الأوروبية، التي ليس لها تأثير فعلي كما أثبتت الأحداث، ولا يمكن الاعتماد عليها إذا لم يجر العمل على بناء كتلة قوية مؤيدة للحقوق الفلسطينية في الرأي العام الأوروبي.
كيف وصلنا إلى هنا؟
ينتقل بشارة في الجزء الثاني إلى الحديث عن التطورات الإقليمية التي قادت إلى أن تصبح الوثيقة بهذه الخطورة، بدايةً من تراجع المد القومي العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، وتوقيع بعض الأنظمة العربية الصلح مع إسرائيل، وتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقًا للسلام مع إسرائيل، وصولًا إلى الانقسام الفلسطيني. ويرى بشارة أن الصراعات بين الأنظمة العربية أثرت في الموقف من قضية فلسطين بموجب التحالفات الدولية، كما تَحددَ الموقف منها بموجب حاجة الأنظمة إلى الشرعية التي تمثلها هذه القضية في الوجدان الشعبي. ثم يناقش بشارة في هذا الجزء التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والكيفية التي استغلت بها إسرائيل ما يحصل في فلسطين والمنطقة العربية بهدف توسيع الاستيطان وتكثيفه.
ما العمل؟
في الجزء الثالث يتحدث بشارة عن الاستراتيجية المأمول أن ينخرط الفلسطينيون فيها، في أماكن وجودهم كافة في معركتهم ضد نظام الأبارتهايد العنصري. ويرى أن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى درجة عالية من التنظيم والتنسيق، من دون التنازل عن خصوصية كل تجمع فلسطيني وطبيعة جبهة المواجهة التي يخوضها. ويرى أهمية وجود قيادات محلية تتمتع باستقلالية بشأن قضايا قاعدتها الاجتماعية ومواطنيها، وإطار يحدد الأجندات الوطنية الجامعة. ويضيف بشارة أن الأولوية اليوم هي النضال الديمقراطي لتحقيق العدالة لشعب فلسطين، ويمكن أن يؤدي النضال ضد واقع الأبارتهايد في فلسطين وتحقيق المساواة، وذلك بعد الاعتراف بالغبن التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين.
الرأي العامّ العربي والقضية الفلسطينية
توقف بشارة في الجزء الأخير من كتابه على اتجاهات الرأي العامّ بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية. وأكد، بالاستناد إلى استطلاعات المؤشر العربي منذ عام 2011 إلى عام 2020، أن انحياز الرأي العربي هو إلى النظام الديمقراطي، وأن أهم المعضلات التي تواجه بلدانه هي معضلات اقتصادية تتعلق بالبطالة والفقر وتدهور المستوى المعيشي أو عدم الاستقرار السياسي أو غياب الأمان، وهو الرأي العام نفسه الذي يقف باستمرار مؤيدًا للفلسطينيين، ويعد القضية الفلسطينية قضيته، ويرفض الاعتراف بإسرائيل لكونها دولة احتلال، على عكس ما يُنسَب له ويشيع عنه من تصورات.