عبرة وذكرى أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده

$

ISBN : 9786144453018
المؤلف : سليمان البستاني
الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
تاريخ النشر : 2019
عدد الصفحات : 235
وزن الشحن : 1000
رقم الطبعة : 1
نوع التجليد : فني
نوع الورق : ابيض
التصنيفات: , الوسوم: , , ,

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب سليمان البستاني عبرة وذكرى أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده، وقد حققه وقدّم له خالد زيادة. أصدر البستاني كتابه هذا بعد الانقلاب الدستوري عام 1908، ويستعرض فيه أحوال الدولة العثمانية خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، والآثار السلبية التي خلفها الاستبداد في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، عارضًا برنامجًا إصلاحيًا بعد أن أصبح ذلك ممكنًا مع الحريات التي أطلقها الانقلاب.

يضم الكتاب (236 صفحة بالقطع الوسط موثقًا ومفهرسًا) مقدمةً بقلم المحقق، ومتن الكتاب الأصلي. ويصف زيادة الكتاب بأنه “بمنزلة مرآة للأفكار والتصورات والآمال لدى الجيل الذي انتظر نهاية عهد الاستبداد وبداية عهد الحرية”، لأنه يعبّر عن الآمال التي علّقها دعاة الحرية على إعلان الدستور؛ “إذ نظر هؤلاء في مقالاتهم التي دبجوها في الصحف التي صدرت بعد الانقلاب، وبعد أن رُفعت الرقابة عن النشر، إلى الانقلاب الدستوري باعتبار أنه أشبه ما يكون بالثورة الفرنسية الكبرى، وبأنه سيغير مصائر الدولة وينقلها إلى مصاف الدول القوية والحديثة، وسيحمل معه حلًّا لكل ما تعانيه من ضعف ومشكلات”.

رؤية نظرية
يقول زيادة في مقدمته إن الكتاب لا يقتصر على كونه برنامجًا إصلاحيًا، ويرى أنه في هذا المجال “وثيقة فريدة في بابها، فالكتاب هو في الوقت ذاته رؤية نظرية إلى ماضي الدولة العثمانية وحاضرها ومستقبلها”، موزعًا هذه الرؤية إلى ثلاثة مستويات: مرجعية الإصلاح، وتفكيك الاستبداد، ووحدة الدولة والشعوب العثمانية. ثم يقول زيادة: “يعرض البستاني سريعًا في بداية كتابه محاولات الإصلاح، خصوصًا منذ عهد السلطان سليم الثالث الذي أعلن أول مشروع إصلاحي في نهاية القرن الثامن عشر، والسلطان محمود الثاني الذي عمد إلى إلغاء قوات الإنكشارية، وصولًا إلى عصر التنظيمات الذي ابتدأ مع إعلان خط كلخانة الإصلاحي في عام 1839، في بداية عهد السلطان عبد المجيد، واستمر خلال عهد السلطان عبد العزيز، ثم إعلان الدستور في عام 1876 ، في بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني”، لافتًا إلى جهود بعض رجال الدولة من أمثال رشيد باشا وعالي باشا، “وبشكل خاص مدحت باشا المعروف باسم أبي الدستور الذي يُهدي البستاني إليه كتابه باعتباره رجل الحرية”.

الحرية والوحدة
المرتكز الثاني في الكتاب هو جدلية الاستبداد والحرية؛ فـ “الاستبداد بعُرف البستاني هو بمنزلة الآفة التي خرّبت كل مناحي الحياة في الدولة والمجتمع، ومرجع التأخّر والجهل والفساد والظلم إلى الاستبداد وغياب الحرية والقول”.

ويضيف زيادة قوله: “المعادلة التي يضعها البستاني هي الحرية مقابل الاستبداد. وضمان الحرية يكون بالدستور المؤسس على حق المواطنين في اختيار ممثليهم، وهو الذي يضمن الحريات من قول وفعل وعمل وتأسيس الجمعيات والحق في التعلّم والمتاجرة”.

يتأسس المرتكز الثالث على وحدة العثمانيين؛ فالأمة العثمانية مكوّنة من أعراق وأديان متباينة، لكنها تلتقي في هوية واحدة هي “العثمانية” التي تجعل من كل أبناء الأعراق والأديان عثمانيين. ويضع البستاني قواعد لنهوض الوحدة العثمانية، هي: اعتماد لغة تعليم واحدة (التركية)، وإلزام أبناء العثمانيين كلهم بالتجنيد، والتنمية والنظر في أحوال الفلاحين البائسين وإصلاح أرضهم بمشروعات الرّي وإقامة السدود وحفر الترع والقنوات، وإطلاق حرية التجارة وتشجيع الصناعة، واستخراج موارد الأرض من فحمٍ حجري ومعادن ونفط.

الدستور والحريات والهجرة
في الكتاب، يوضح البستاني معنى الدستور في ما يتعلق بحرية الفرد الشخصية، وحرية التعبير والصحافة، ويتحدث أيضًا عن حرية التعليم. يقول زيادة: “لا بد، بحسب ما يرى البستاني، في الأبواب التالية، من اختلاف حرية التأليف من دون قيود، وحرية المكاتبة، أي البريد، والعمل على إقامة المنشآت المشجعة على ذلك، وإطلاق حرية الانضواء في الجمعيات، وترك الحرية للشباب في الانتساب إلى جمعيات يؤسسونها. كما لا بد من إطلاق حرية رجال الدولة، وإلغاء العمل بنظام الخفية والجاسوسية، والعمل على نبذ جميع أشكال التعصب الديني والعنصري”.

ثم إن المؤلف يُفرد بابًا مسهبًا للتحدث عن التعصّب والتنافر، ويروي مشاهداته حول الصراع بين أبناء الأديان المختلفة وما وقع بينهم من مآسٍ.

وفي مواد كتابه الباقية، يعالج البستاني مسألة الهجرة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، ويحاول في حديثه عنها أن يستعرض المسألة من جوانبها المتعددة. كما يضع أمام الحكم الجديد مسؤولياته في معالجة سوء تصرف الموظفين ومأموري الحكومة، وهو يعطي هذه المسألة أهمية كبيرة.

ويستعرض البستاني صورة التقدم البشري؛ أي الوضع الذي آلت إليه الشعوب التي سارت في ركاب العلوم والتقدم، ومعرفته بتقدم الإنسانية – بحسب زيادة – ناتجة من معرفة شخصية ومعاينة طويلة اكتسبها عبر تجواله الطويل في بلاد أوروبا والعالم الجديد، ورؤيته تقدم العلوم في مجالات شتى وملامسته له.

تناقض يمكن إيضاحه
يلاحظ زيادة بعض التناقض في نظرة البستاني؛ فـ “هو من ناحية يكرر مرات متعددة خلال صفحات الكتاب ذكر السنوات الثلاثين الماضية التي شهدت اضطهاد الأحرار واشتداد الاستبداد، ويعود من ناحية أخرى ليقول إن الثلاثين سنة الماضية شهدت تقدمًا في العلوم، وإن الدولة العثمانية نالت خلال هذه الفترة تقدمًا في مجال الحضارة. وإذا كان البستاني يسهو عن توضيح هذا التناقض، فلا شك في أنه كان يقصد أن الاستبداد وخنق الحريات لم يستطيعا أن يمنعا رياح الحضارة من التسرب إلى داخل حدود الدولة العثمانية”.

في خاتمة بحثه، لا يرى البستاني أن المستقبل سيكون قاتم الصورة، بل إنه “يتمسك بنظرة متفائلة”؛ فهو يعتقد أن هذه الأمة “تملك طاقات غزيرة، خصوصًا في شبابها الذين حين سينالون التربية الملائمة، وسيتمكنون من بناء الجيش القادر على حماية البلاد، وسيقدرون على اللحاق بما حصلته شعوب العالم في ميدان الحضارة”.